العيد لغةً هو العودة الى يوم انتهاء محنة او بلاء او الى يوم  انجاز مهم. ويأتي العيد كمكافأة للصبر والتعب الذي تم بذله.
بينما الذكرى هي  عيد سنوي ليوم تميز بحدث هام.
فما نفعله ويفعله جميع القوميين كل سنة في التوقيت نفسه اي 16 ت2  ينطبق عليه المعنيان ، العيد والذكرى .
هذا في المعنى الاحتفالي التقليدي . وقد لفتني عدد المقطوعات او المقالات المنشورة ومعظمها تدور حول هذا المعنى الاحتفالي . قلة من المقالات او المقطوعات ذهبت الى ابعد من ذلك . فمع اهمية المعنى الاحتفالي الذي يشير الى انجاز او انجازات ما حدثت في زمن مضى او يشير الى انتهاء محنة او بلاء ، وهو امر ضروري لعملية التحفيز وبعث الحماسة والامل عند مجموع المحازبين، فان المعنى الاخر الذي لا تتم الاضاءة عليه كثيرا فهو اعتبار هذا اليوم بالذات ،اي عيد او ذكرى التأسيس ، يوما لمحاسبة الذات وتقييم الاداء العام. فطالما ان الحزب  لم يحقق انتصاره المنتظر بتحقيق  الغاية المنصوص عليها في دستوره، وذلك بعد مرور تسعين عاما على التأسيس،يجب على القوميين جميعا اينما كانوا سواء انتظموا في المؤسسات ام لم ينتظموا، ان يطرحوا السؤال المحوري : لماذا فشل الحزب، حتى الان، في تحقيق غايته وفي تحقيق انتصاره الاساس بين صفوف الشعب وضمن المجتمع توطئة لتحقيق الانتصار على صعيد الامة؟
دون ادنى شك ليس من سبب واحد وراء هذا الفشل . وهنا تكمن اهمية العقل القومي الاجتماعي الذي عليه تحديد الاسباب والعلل واجتراح وسائل الخروج من المأزق الذي يكاد يكون وجوديا . غير ذلك يكون الاحتفال بالتأسيس، اكان عيدا او ذكرى، مقتصرا على ترداد وتكرار لشعارات تصبح مع الوقت مفرغة من اي مضمون حقيقي. فيكون النداء الحقيقي للقوميين هو تبني دعوة سعاده لهم اثر عودته من مغتربه القسري: “عودوا الى ساح الجهاد”. والعودة هذه ليست عودة لفظية بل عليها ان تبدأ اولا بجردة حساب عما قدمنا واين اصبنا واين اخطأنا وصولا الى تعيين موقعنا الان وفي هذه اللحظة التاريخية من عمر الامة . واما الحساب فيجري على قاعدة اين نحن من هويتنا النضالية الجهادية واين نحن من تحقيق مشروعنا النهضوي ، واين نحن من تحقيق استقلالنا السياسي كحزب غايته الاسمى  بعث نهضة . اذ، ليست غايتنا المشاركة في السلطة في اي كيان، الا بمقدار ما تقدمه هذه المشاركة لمشروعنا النهضوي التحرري. علما ان اي استقلال سياسي ركيزته الاولى الاستقلال المالي . بعد ذلك، اي بعد تحديد ما انجزنا وما لم ننجز واين نحن من الحفاظ على هويتنا ومن تحقيق مشروعنا، يبدأ الاعداد الفعلي للمرحلة الجديدة التي يجب ان يتم فيها العمل على الصعد التالية:
الانطلاق من وضع الحزب الحالي بتحليل حالة التشرذم والانقسام الحالي وطرق الخروج منه الى وحدة حقيقية لا تسووية ولا ترقيعية.
التركيز على العمل الاذاعي وعلى التثقيف السياسي باستنباط اساليب جديدة وخطاب جديد يتلائم مع الاجيال الشابة.
العمل وفق برنامح مرحلي للنهوض بالحزب في جميع المجالات.
طرح فكر الحزب من خلال حزمة من مشاريع القوانين كقانون عصري للاحزاب ، وقانون جديد للانتخابات النيابية ، وقانون للزواج المدني ( الاختياري في المرحلة الاولى) وقوانين اخرى تمهد لاقامة دولة المواطنة والقانون. على ان لا يتم الاكتفاء بطرح هذه القوانين بل النضال في سبيل تحقيقها بجميع وسائل الضغط الشعبي .
المشاركة الفاعلة مع جميع قوى التغيير في المجتمع من اجل صوغ برنامج الحد الادنى لمواجهة المنظومة الحاكمة، في الشؤون المالية والاقتصادية والسياسية والحياتية..
اعتبار المقاومة الوطنية حقا من حقوق الشعب في الدفاع عن البلد ضد العدوان الخارجي .
اعتبار مكافحة الفساد في الداخل امرا بالغ الاهمية ومكملا لمقاومة العدو ومتلازما معه.
ان تركيزنا وتشديدنا على اقوال سعاده في مختلف الشؤون التي عالجها لا يجعل منا الا مجموعا يكرر نفسه ويهمل في الوقت عينه اهم ما ترك لنا المؤسس من دليل نهتدي به في بحثنا المستمر عن شخصيتنا القومية الانسانية المتفاعلة مع عالم متحول ومتغير بتسارع كبير . لقد ترك لنا شرعة اساسية تلخص بان ” العقل هو الشرع الاعلى” . هو اعلى من كل شرع. فاذا كان سعاده من اسس وارسى الحزب على قواعد فكرية منهجية اخلاقية واضحة وصارمة فهو قد علمنا ان مسيرة الحزب ابتدأت به مؤسسا ومعلما وزعيما ولكنها مستمرة في حزبه  وفي ابناء حزبه . وشرط هذا الاستمرار اعلاء البناء وليس مجرد الحفاظ عليه من حيث استلمناه من المؤسس. فنحن انما نستمر من جهة من خلال الحفاظ على ارثه الفكري والنضالي وصونه من كل عبث وانحراف، ومن جهة اخرى من خلال اعمال العقل في ما يجب ان نضيف على العمارة التي تركها لنا وكيف ندخل فيها ومنها الى رحاب القرن الحادي والعشرين بمتغيراته ومكتشفاته وتطوره العلمي التكنولوجي المتسارع . وليس في قولنا هذا اي  انتقاص من قدر سعاده ومن ريادته ومن فرادته. بل ان هذا هو بالذات ما يصون حقا وفعلا ارث سعاده واستمرارية هذا الارث كما انتصار فكره ونهجه بالسير على منواله والاقتداء بمسيرته النصالية الرائدة والفريدة.

لغيري ان يعتبر ان الحفاظ على ارث سعاده وخطه الفكري والنضالي هو بحبسه في الحرف الذي يميت ، في صنمية الكلمة والعبارة والشعار الذي يخسر يوما بعد يوم القه اذا ترك فارغا من اي مضمون ، وهذا  لا يأتي الا عن طريق المثابرة والاستمرار في مطابقة القول بالفعل. فلا التغني بنضالات المناضلين والمناضلات  او ببطولات الاستشهاديين والاستشهاديات ولا القاء الخطب والقصائد في الاحتفالات والمهرجانات ليضيف الى مسيرة النهضة قيد انملة . فعل واحد ، انجاز واحد يساوي جميع الخطب والقصائد والمهرجانات والاحتفالات. فبدل ان يكون ثمة احتفال بما انجزنا ليكن ما ننجزه ونراكمه من انجازات في حاضرنا هو علامتنا الفارقة لاجيال الامة الاتية .
اذا، ليكن شعارنا : الى العمل …ومن الافضل ان يكون بصمت ودون ضجيج. اليس انه تحت طبقات الثرثرة يعمل القوميون بصمت ودون ضجيج